فصل: تفسير الآية رقم (84):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (84):

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
قوله عز وجل: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} وذلك أنه قال اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين ماء فأمره أن يغتسل منها ففعل فذهب كل داء كان بظاهره، ثم مشى أربعين خطوة فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل فنبعت عين ماء بارد، فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه فصار كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم.
{وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} واختلفوا في ذلك، فقال ابن مسعود وقتادة، وابن عباس، والحسن، وأكثر المفسرين: رد الله عز وجل إليه أهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله له وأعطاه مثلهم معهم، وهو ظاهر القرآن.
قال الحسن: آتاه الله المثل من نسل ماله الذي رده الله إليه وأهله يدل عليه ما روى الضحاك وابن عباس أن الله عز وجل رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكرا.
قال وهب كان له سبع بنات وثلاثة بنين.
وقال ابن يسار: كان له سبع بنين وسبع بنات.
وروى عن أنس يرفعه: أنه كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله عز وجل سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض.
وروى أن الله تعالى بعث إليه ملكا وقال: إن ربك يقرئك السلام بصبرك فاخرج إلى أندرك، فخرج إليه فأرسل الله عليه جرادا من ذهب فطارت واحدة فاتبعها وردها إلى أندره، فقال له الملك: أما يكفيك ما في أندرك؟ فقال هذه بركة من بركات ربي ولا أشبع من بركته.
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أخبرنا محمد بن الحسين القطان، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبه، قال: أخبرنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيك عما ترى؟ قال: بلى يا رب وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك». وقال قوم: أتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا قال عكرمة: قيل لأيوب: إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وآتيناك مثلهم في الدنيا فقال يكونون لي في الآخرة، وأوتى مثلهم في الدنيا فعلى هذا يكون معنى الآية: وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد، {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي نعمة من عندنا، {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي: عظة وعبرة لهم.

.تفسير الآية رقم (85):

{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}
قوله عز وجل: {وَإِسْمَاعِيلَ} يعني ابن إبراهيم، {وَإِدْرِيسَ} وهو أخنوخ، {وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} على أمر الله، واختلفوا في ذا الكفل.
قال عطاء: إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك أن يصلي بالليل لا يفتر، ويصوم بالنهار ولا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه ففعل ذلك، فقام شاب فقال: أنا أتكفل لك بهذا فتكفل، ووفى به فشكر الله له ونبأه فسمي ذا الكفل.
وقال مجاهد: لما كبر اليسع قال: لو أني أستخلف رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل، قال: فجمع الناس فقال: من يتقبل مني بثلاث أستخلفه: يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يغضب، فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا فرده ذلك اليوم، وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس، وقام ذلك الرجل فقال: أنا، فاستخلفه فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة فدق الباب، فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، فقام ففتح الباب فقال: إن بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني، وفعلوا وفعلوا فجعل يطول حتى حضر الرواح، وذهبت القائلة، فقال: إذا رحت فائتني فإني آخذ حقك، فانطلق وراح، فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره، فقام يبتغيه فلما كان الغد جلس يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال: الشيخ المظلوم ففتح له الباب فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فائتني؟ فقال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك وإذا قمت جحدوني، قال: فانطلق فإذا رحت فائتني، ففاتته القائلة وراح فجعل ينظر فلا يراه فشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإنه قد شق على النوم، فلما كان تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها، فإذا هو في البيت يدق الباب من داخل، فاستيقظ فقال: يا فلان ألم آمرك، فقال: أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت، فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل معه في البيت، فقال: أتنام والخصوم ببابك؟ فعرفه فقال: أعدو الله؟ قال: نعم أعييتني ففعلت ما ترى لأغضبك فعصمك الله، فسمي ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به.
وقيل: إن إبليس جاءه وقال: إن لي غريما يمطلني فأحب أن تقوم معي وتستوفي حقي منه، فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب. وروى: أنه اعتذر إليه. وقال: إن صاحبي هرب.
وقيل: إن ذا الكفل رجل كفل أن يصلي كل ليلة مائة ركعة إلى أن يقبضه الله فوفى به.
واختلفوا في أنه كان نبيا، فقال بعضهم: كان نبيا. وقيل: هو إلياس. وقيل: زكريا. وقال أبو موسى: لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا.

.تفسير الآيات (86- 87):

{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا} يعني ما أنعم الله عليهم من النبوة وصيرهم إليه في الجنة من الثواب، {إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} قوله عز وجل: {وَذَا النُّونِ} أي: اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى، {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} اختلفوا في معناه.
فقال الضحاك: مغاضبا لقومه، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس، قال: كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبطا ونصف، فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سر إلى حزقيل الملك، وقل له حتى يوجه نبيا قويا فإني ألقي الرعب في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال له الملك فمن ترى، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال يونس: إنه قوي أمين فدعا الملك يونس فأمره أن يخرج، فقال له يونس: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا قال: فهل سماني لك؟ قال: لا قال: فهاهنا غيري أنبياء أقوياء فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا للنبي وللملك، ولقومه فأتى بحر الروم فركبه.
وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة: ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم، وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم، واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب، وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده، وأنه يسمى كذابا لا كراهية لحكم الله تعالى.
وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد، فغضب، والمغاضبة هاهنا كالمفاعلة التي تكون من واحد، كالمسافرة والمعاقبة، فمعنى قوله مغاضبا أي غضبان.
وقال الحسن: إنما غضب ربه عز وجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه، فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم، فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلا أن يأخذ نعلا يلبسها فلم ينظر وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضبا.
وعن ابن عباس، قال: أتى جبريل يونس فقال: انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم، قال: ألتمس دابة قال: الأمر أعجل من ذلك، فغضب فانطلق إلى السفينة.
وقال وهب بن منبه: إن يونس بن متى كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها من يده، وخرج هاربا منها، فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} [الأحقاف: 35]، وقال: {ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم: 48].
قوله عز وجل: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي لن نقضي بالعقوبة، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي، وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال: قدر الله الشيء تقديرا وقدر يقدر قدرا بمعنى واحد، ومنه قوله: {نحن قدرنا بينكم الموت} [الواقعة: 60] في قراءة من قرأها بالتخفيف، دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} بالتشديد، وقال عطاء وكثير من العلماء: معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس، من قوله تعالى: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [الرعد: 26]، أي يضيق. وقال ابن زيد: هو استفهام معناه: أفظن أنه يعجز ربه، فلا يقدر عليه. وقرأ يعقوب يقدر بضم الياء على المجهول خفيف.
وعن الحسن قال: بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضبا لربه واستزله الشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه، وكان له سلف وعبادة فأبى الله أن يدعه للشيطان، فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة. وقال عطاء: سبعة أيام وقيل: ثلاثة أيام. وقيل: إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة. وقيل: بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت، وراجع نفسه فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، حين عصيتك وما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته، والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضبا لقومه أو للملك، {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، {أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
وروي عن أبي هريرة مرفوعا: أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه ما هذا؟ فأوحى الله إليه: أن هذا تسبيح دواب البحر، قال: فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة، وفي رواية صوتا معروفا من مكان مجهول، فقال: ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت، فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم فشفعوا له، عند ذلك فأمر الحوت فقذفه إلى الساحل كما قال الله تعالى: {فنبذناه بالعراء وهو سقيم} [الصافات: 145].

.تفسير الآيات (88- 89):

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)}
فلذلك قوله عز وجل: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} يعني: أجبناه، {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} من تلك الظلمات، {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} من كل كرب إذا دعونا واستغاثوا بنا، قرأ ابن عامر وعاصم برواية أبي بكر: {نجي} بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء لأنها مكتوبة في المصحف بنون واحدة، واختلف النحاة في هذه القراءة، فذهب أكثرهم إلى أنها لحن لأنه لو كان على ما لم يسم فاعله لم تسكن الياء ورفع المؤمنون، ومنهم من صوبها، وذكر الفراء أن لها وجها آخر وهو إضمار المصدر، أي نجا النجاء المؤمنين، ونصب المؤمنين كقولك: ضرب الضرب زيدا، ثم تقول ضرب زيدا بالنصب على إضماء المصدر، وسكن الياء في {نجي} كما يسكنون في بقي ونحوها، قال القتيبي من قرأ بنون واحدة والتشديد فإنما أراد ننجي من التنجية إلا أنه أدغم وحذف نونا طلبا للخفة ولم يرضه النحويون لبعد مخرج النون من الجيم، والإدغام يكون عند قرب المخرج، وقراءة العامة {نُنْجِي} بنونين من الإنجاء، وإنما كتبت بنون واحدة لأن النون الثانية كانت ساكنة والساكن غير ظاهر على اللسان فحذفت كما فعلوا في إلا حذفوا النون من إن لخفائها واختلفوا في أن رسالة يونس متى كانت؟ فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: كانت بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت، بدليل أن الله عز وجل ذكره في سورة الصافات، {فنبذناه بالعراء} [الصافات: 145]، ثم ذكر بعده: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} [الصافات: 147]، وقال الآخرون: إنها كانت من قبل بدليل قوله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون} [الصافات: 139- 140]. قوله عز وجل: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ} دعا ربه، {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا} وحيدا لا ولد لي وارزقني وارثا، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} ثناء على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه أفضل من بقي حيا.

.تفسير الآيات (90- 92):

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} ولدا {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} أي جعلناها ولودا بعد ما كانت عقيما، قاله أكثر المفسرين، وقال بعضهم: كانت سيئة الخلق فأصلحها له بأن رزقها حسن الخلق. {إِنَّهُمْ} يعني الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة، {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا} طمعا، {وَرَهَبًا} خوفا، رغبا من رحمة الله، ورهبا من عذاب الله، {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} أي متواضعين، قال قتادة: ذللا لأمر الله. قال مجاهد: الخشوع هو الخوف اللازم في القلب. {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظت من الحرام، وأراد مريم بنت عمران، {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} أي أمرنا جبرائيل حتى نفخ في جيب درعها، وأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها، وأضاف الروح إليه تشريفا لعيسى عليه السلام، {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} أي دلالة على كمال قدرتنا على خلق ولد من غير أب، ولم يقل آيتين وهما آيتان لأن معنى الكلام وجعلنا شأنهما وأمرهما آية ولأن الآية كانت فيهما واحدة، وهي أنها أتت به من غير فحل. قوله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} أي ملتكم ودينكم، {أُمَّةً وَاحِدَةً} أي دينا واحدا وهو الإسلام، فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان، وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماع أهلها على مقصد واحد، ونصب أمة على القطع. {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.